عن فلسفة الإختصار .. ماهي أفضل الإختصارات في الحياة؟

 أفضل الاختصارات في الحياة في وجهة نظري هو استخدام الموارد والأدوات المتاحة في عمل شئ ما يوفر وقتا أو جهدا أو كليهما.

من منا يحب تكرار فعل نفس الشئ مرات ومرات؟ على الأقل أنا أكره ذلك .. لا أستطيع أن أصف لك شعوري بالملل حينها، ومالم يكن الأمر ضروريا فأني أتوقف عن فعله وأقول لنفسي: أليس هذا الوقت أجدر أن تستخدمه في شئ يعيد بالنفع عليك كقراءة كتاب أو تعلم شئ جديد أو حتى "نزهة في مكان بعيد مع كوب قهوة"؟!

يمكنني أن أعرف الاختصار أنه عملية أو وسيلة موّفرة تصل إلى نفس النتيجة التي تصل إليها عملية أو سلسلة عمليات "غير موفرة".

إذا نظرت إلى الغسالة المنزلية، ذلك الجهاز عبقري بحق فتلك الآلة تختصر كما كبيرا من الوقت والجهد ربما لم تدركه بعد، فأنا لم أدرك مدى عبقرية هذا الجهاز إلا عندما نزلت في أحد الشقق التي لم يكن بها تلك الساحرة المربعة لمدة تتجاوز الشهر. لن أستطيع أن أصف لك معاناتي حينها وكم الوقت والجهد المهدر في عملية الغسيل البدائية التي وصلت إليها لأنني ربما وصلت إلى النقطة الحرجة التي لن أجد ما ألبسه بعدها، وإذا فكرت في أخذ ملابسي إلى أحد المغاسل كما فعل صديقي فهذا سيكلف كثيرا في تلك البلد ناهيك عن الاحتمالية الواردة لفقدان أحد قطع ملابسك.



عملت فترة أثناء دراستي بالجامعة وبعد تخرجي في التسويق الالكتروني، الذي كان يستهويني في ذلك المجال ومازال كذلك أنه مجال خصب بالأفكار .. تأتيك أحد الأفكار المجنونة فتقوم بدراستها واختبارها وتطويرها وفي حالة نجاحها تحتاج إلى تكرار تلك الخطوة آلاف المرات لتحصل على نتيجة مرضية، هنا وفي هذه النقطة بالذات البشر ليسوا أفضل من يقوم بعملية التكرار، لذلك كنت حينها أستعين بأحد المبرمجين لتنفيذ تلك الفكرة بصورة أكبر أو ما يسمى بال scaling، وهذا يعني في كثير من الأحيان أن هناك بعض المال في طريقه إلى جيبي.

بذلك يمكنني أن أعرف الاختصار أنه عملية أو وسيلة موّفرة تصل إلى نفس النتيجة التي تصل إليها عملية أو سلسلة عمليات "غير موفرة"، ولكي تصل إلى تلك العملية الموفرة أو الإختصار لابد أن تجتاز عدة شروط (سأستخدم مثال الغسالة هنا للشرح):

الإختصار الذكي هو الذي يستطيع التعامل مع أكبر قدر من ذلك التباين بسهولة ويسر.

أولا: أن تكون هناك مقدرة على فهم تلك العملية أو سلسلة العمليات الغير موفرة بشكل دقيق.
نعم طبيعي جدا، فإذا لم تكن تفهم تلك العمليات على أدق تفصيل فلن تستطيع بناء ما تريده. في حالة الغسالة المنزلية مثلا فمعظم الغسالات حاليا تقوم بعمليتين أساسيتين هي الغسل والتجفيف. عملية الغسل يمكن أن تنقسم إلى عمليتين: فرك الملابس بالماء والمنظفات ثم شطفها بالماء، وعملية التجفيف تحتاج إلى قوة لإخراج المياه من الملابس. إذا لم تستطع أن تفهم تلك العمليات على ذلك التفصيل أو أدق فلن تصل إلى نفس النتيجة المرجوة.
ثانيا: أن تغطي أكبر قدر من الحالات المختلفة لتلك العمليات الغير موفرة.
الملابس متباينة في خاماتها وحجمها ولونها؛ فغسيل الملابس البيضاء مختلف عن الملابس الملونة، أيضا الملابس القطنية تحتاج إلى أسلوب في الغسيل مختلف عن نظيرتها ذات الصوف، كذلك غسل قميصك سيكون مختلف تماما عن فستان أختك.
الإختصار الذكي هو الذي يستطيع التعامل مع أكبر قدر من ذلك التباين بسهولة ويسر.
ثالثا: أن يكون الاختصار موفرا بالفعل.
ما فائدة الإختصار إن لم يكن موفرا؟ وكيف سنطلق عليه اختصارا إذا؟! تخيل معي غسالة تحتاج إليّ كل دقيقة لأخبرها ما تفعله. الموضوع بديهي وعليك بالتأكد من أن اختصارك هو اختصار بالفعل!
رابعا: أن يكون الإختصار قابل للتنفيذ.
ربما أنك أردت تطوير تلك الغسالة المنزلية إلى مستوى أعلى بحيث تستطيع الغسالة تصنيف الملابس حسب نوعها ولونها وخامتها بدون تدخل منك، نعم هذه فكرة جيدة ستوفر وقتا وجهدا وخطواتها يمكن تنفيذها باستخدام الذكاء الاصطناعي ولكن ربما أنت لا تملك تلك الإمكانيات بعد. فكّر في ما هو متاح أمامك وبدون تكاليف باهظة.

شئ مهم أريد أن أشير إليه هنا هو قبل أن تشرع في بناء أي اختصار عليك أولا أن تبحث عما انتهى إليه البشر في تلك النقطة، فأنت لن تعيد اختراع ما تم اختراعه سلفا ولكنك ستبدأ فيما انتهى فيه الاخرون بما يناسب امكانياتك وقدراتك.

في النهاية سأعطيك بعض الخطوات العملية التي يمكن أن تساعدك على تطوير أفكارك ومهاراتك في صناعة اختصاراتك القادمة:
1
. كتاب الاختراعات
لاشئ أفضل لتعلم فلسفة الاختصار أكثر من التعرف على رحلة ظهور المخترعات التي نستخدمها في حياتنا اليومية. تخير أحد تلك المخترعات واقرأ عنها وعن مخترعها وعن فلسفة ظهورها وعن المشاكل التي واجهت مخترعها وكيف تمكن من حلها.
2
. اتقن فن البحث عن المعلومة
إذا كنت تريد أن تكون مختصِرا فمن الأجدر أن تختصر عمليات البحث وتصل إلى ماتريده بسرعة، فما بين البحث في الكتب والبحث على الإنترنت هناك أطنان من المعلومات ولكي تصل إلى إبرتك وسط كومة القش فستحتاج إلى إتقان مهارة البحث.

3
. تعلم البرمجة
إذا كنا نحن البشر سيئين في عملية التكرار فلم لا نتعلم لغة الحاسوب الذي يجيد تلك العملية لنخبره بما نريد فعله؟ تعلمك للبرمجة سيفتح لك آفاق جديدة للابتكار خاصة ونحن في عصر يتجه إلى رقمنة كل شئ.
4
. انظر بمنظور مختلف
توقف عن نظرتك المعتادة للأشياء كأنها أشياء. تبادل الأدوار في ذهنك مع من حولك سواء كانوا أشخاصا أو أشياء. أدر حوارا تخيليا مع الأشياء واسألها وأجب بلسان حالها. ربما تبدو أشياء جنونية ولكن صدقني تلك الأمور ستُظهر لك أبواب ربما لن تلجها إلا بتلك الأساليب.

سؤال: هل تعلم كيف تقطف أوراق الملوخية بسرعة؟

Comments